مساهمات النقل الجوي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030


 

يعد النقل الجوي حافزاً للتنمية المستدامة، ويمثل شرياناً أساسياً بالنسبة لأقل البلدان نمواً، ولا سيما البلدان النامية غير السياحية، والدول الجزرية الصغيرة النامية من أجل التواصل مع العالم. وبما أن عملية النقل الجوي تكتسب أهمية كبيرة من حيث توفير التماسك الاقتصادي والاجتماعي لجميع الدول، كان لا بد من تحقيق مزايا يوفرها النقل الجوي، وذلك بامتلاك نقل جوي آمن وفعّال وسليم ومستدام اقتصادياً، ​مع الاعتراف بأن زيادة الاستثمار في البنية التحتية للنقل عملية حيوية لتكامل الاقتصادات العالمية ودفع النمو الاقتصادي طويل الأجل، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يهدف إلى تعزيز الصلات بين جميع وسائل النقل من أجل تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وأكد رئيس مجلس الإيكاو، الدكتور" أولوموييوا بينارد أليو"-  بعد أن رحب بالقرار على أهمية تعزيز التواصل فيما بين الجزر، وربط اقتصادات الدول النامية الجزرية الصغيرة بالأسواق الإقليمية وسلاسل التوريد العالمية، وذكر أن هذا القرار لم يكن قد أتى في لحظة أفضل لقطاع النقل الجوي، وذلك بالنظر إلى المعدل الهائل لنمو الطيران المدني الذي نشهده حالياً، وتضاعف الرحلات الجوية وعدد الركاب المتوقع خلال السنوات الخمس عشرة القادمة. ويمكن للوعد الاقتصادي الكامن في تواصل النقل الجوي أن يتحقق فقط إذا كانت البنية التحتية الكافية للمطارات الملاحة الجوية قد أنجزت. وترحب الإيكاو ترحيباً حاراً بربط الجمعية العامة بهذه الأولوية الخاصة بالتخطيط والاستثمار قصير الأجل لتحقيق آمال الحكومات في التنمية المستدامة طويلة الأجل." وأكدت الدكتورة فانغ ليو، الأمينة العامة للإيكاو، أنها تقدر اعتراف القرار بالدور المهم للنقل المستدام في النهوض بتوافق السياسات وتسهيل التجارة والتعاون المالي، فضلا عن تركيزها على حقيقة أن "الدول ينبغي أن تضع أطر الاستثمار التي تدعم نشاط استثمار القطاع الخاص، وشراكات القطاعين العام والخاص، وحفظ المنح والقروض لتطور البنية الأساسية الجديدة. وأضافت أن منتديات الإيكاو للطيران، التي تعقد سنوياً، مصممة بالتحديد لإقامة هذه الشراكات، ولتساعد على ضمان أن اقتراحات المشاريع الحكومية تقدم بشكل شفاف وتدار بشكل مسؤول بما يتماشى مع توقعات مجتمعات التمويل والاستثمار والمجتمعات المانحة في الوقت الحاضر، ويشجع هذا القرار(قرار الجمعية العامة المذكور أعلاه) الدول على تعزيز تعاونها في ممرات النقل وتخطيط البنية الأساسية وتطويرها، ولاسيما من خلال الأخذ في الاعتبار القواعد القياسية الدولية ذات الصلة، والقيام بتنسيق القواعد والنظم التكنولوجية – وهذه هي مهمة الإيكاو الأساسية لدعم الطيران الدولي، وحث القرار أيضاً المنظمات في أسرة الأمم المتحدة، -فضلا عن المنظمات الدولية الأخرى، والمؤسسات المالية الدولية ذات الصلة، والمانحين متعددي الأطراف والثنائيين والقطاع الخاص،- على تنسيق جهودها بشكل أفضل، وعلى التعاون لتقديم المساعدة المالية والتقنية إلى البلدان.

 

 الحاجة لربط العالم بواسطة النقل الجوي

قبل أن تفصلنا جائحة كوفيد-19 عن أجوائنا وعن بعضنا البعض، كان النقل الجوي يوفر اتصالاً فريداً ومزايا اجتماعية واقتصادية كبيرة للمواطنين والمجتمعات والشركات في جميع أنحاء العالم. فقد تم نقل ما يقرب من /4.5/ مليار مسافر و/60/ مليون طن من الشحنات الجوية حول العالم كل عام على متن أقل من /40/ مليون رحلة. في غضون ذلك، كانت الآثار المباشرة وغير المباشرة للطيران تولد فرص عمل ومهن مستدامة لأكثر من /88/ مليون رجل وامرأة في جميع أنحاء العالم، بينما تساهم بأكثر من /3.5/ تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

يتوافق حجم هذه المساهمات مع حقيقة أنه من بين /12/ مليون مسافر يومياً كانوا يسافرون إلى السماء قبل الجائحة، كان أكثر من نصفهم من السياح الدوليين. كما أنها تعكس القدرة الفريدة للسفر الجوي على ربط المنتجين المحليين بالموردين البعيدين والموردين المحليين بالأسواق البعيدة. بالإضافة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي هذه، لا يمكننا أن ننسى أيضاً الفوائد الأساسية لجودة الحياة التي تعود على كل منا كمواطنين عالميين في ضوء التعاون الدبلوماسي للدول في مجال الطيران الدولي، سواء كان ذلك في إشارة إلى شغفنا الطبيعي لاستكشاف التنوع البيئي أو التاريخي أو الثقافي لكوكبنا أو ببساطة لإعادة الاتصال بالأصدقاء البعيدين والأحباء، فإن القدرة على السفر بسرعة وأمن وأمان في أي مكان في العالم تؤثر على حياتنا بأساليب اعتبرها الكثيرون من المسلمات.

من وجهة نظر عامة، كان تحسين الرخاء العالمي الذي تم تحقيقه من خلال ديناميكيات تطوير الطيران هذه يساعد البلدان في كل مكان على الاستثمار والنجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) لخطة عام 2030 في فترة ما قبل الجائحة. كانت منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) تراقب مساهمات الطيران هذه بالكامل كونها من أهداف التنمية المستدامة لتوضح مدى اعتماد ازدهارنا الاجتماعي والاقتصادي، على الصعيدين الفردي والجماعي، وعلى اتصالاتنا ببعضنا البعض عن طريق الجو. ففي وقت الجائحة توقفت قدرة الطيران على دفع هذه الفوائد العالمية في وقت سابق من هذا العام، عندما تم تحديد جائحة كوفيد-19 في النهاية من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) على أنه حالة طوارئ صحية عامة ذات نطاق دولي (PHEIC). أغلقت البلدان حدودها بسرعة وبحكمة لاحتواء انتشار الجائحة. وبحلول نيسان/ أبريل 2020، انخفض عدد الأشخاص الذين يسافرون بنسبة تزيد عن 90 في المئة.

تقدر منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) الآن انخفاضاً إجمالياً بنسبة 60 في المئة هذا العام، وخسارة ما يقرب من نصف تريليون دولار في الإيرادات القطاعية. تم فقد أكثر من نصف الطرق الدولية التي كانت تخدمها شركات الطيران والمطارات اعتباراً من أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه على المدى القريب، حتى مع بدء تحقيق الوعد بحلول جديدة تتمثل في الاختبار واللقاحات، ومن المحتمل ألا يحدث أي شيء من حيث التعافي الهادف لشبكة النقل الجوي الدولية حتى عام 2022، وقد تستغرق العودة إلى اتجاهات النمو قبل جائحة كوفيد عدة سنوات أخرى بعد ذلك. من خلال قطع اتصالاتنا الدولية عن طريق الجو بهذه الطريقة، أدت جائحة كوفيد-19 إلى قطع الشركات عن العملاء، والسياح عن الوجهات، وشكلت تهديدات غير متناسبة للفقراء والضعفاء.

لقد تضررت الدول غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة بشكل خاص من هذه الآثار، ولكن في الحقيقة، فإن الآثار السلبية العميقة والمتتالية على النقل والسياحة والعديد من مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأخرى أصبحت محسوسة في جميع البلدان وفي كل مكان. ونتيجة لذلك، تعرضت سبل العيش لمئات الملايين للخطر.

يحتاج قادة القطاعين العام والخاص أيضاً إلى إدراك أن العالم غير المتصل بالرحلات المجدولة هو عالم ستواجه فيه البلدان تحديات خطيرة لاحتياجاتها قصيرة وطويلة الأجل من الإمدادات الغذائية والمنتجات والمعدات الطبية والعديد من المنتجات الأخرى القابلة للتلف والبضائع ذات القيمة العالية. سيصبح نشاط التجارة الإلكترونية الذي يعتمد بشكل كبير على خدمات الشحن الجوي، والذي كان منارة للنمو الاقتصادي خلال فترة الجائحة، أيضاً مقيداً بشكل خطير وعالمي.

هذه الآثار، بالإضافة إلى المزيد من فقدان الوظائف على الصعيد العالمي، من شأنها أن تقلل من القواعد الضريبية للمخططين الوطنيين - بما في ذلك ما يتعلق بالاستثمارات المنخفضة أو المهجورة في التنمية المستدامة. كما أن قدرتنا العالمية الجماعية على إعادة الاتصال بالعالم بمجرد أن تتركنا جائحة كوفيد-19 في نهاية المطاف معرضة للخطر أيضاً، وكذلك رفعها مرة أخرى إلى تعافي اقتصادي واسع النطاق وشامل.

 

استجابة منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) لجائحة كوفيد-19

منذ المراحل الأولى لتفشي جائحة كوفيد-19، أصدرت الإيكاو نداءات إلى الدول وصناعة الطيران المدني لمراعاة معايير الطيران العالمية ذات الصلة واللوائح الصحية الدولية لمنظمة الصحة العالمية، واتخذت إجراءات سريعة لتلبية بعض الاحتياجات العاجلة من حيث التخفيفات الخاصة للمعايير الدولية من أجل الحفاظ على الخدمات الجوية الأساسية بأمان. كما أنشأت بسرعة مجموعة شاملة من منصات وأدوات وموارد مراقبة الجائحة الخاضعة لملكية كل من الدول والصناعة، وابتكرت تطبيقاً عالمياً لحالة المطارات العالمية في الوقت الفعلي استجابة لطلبات الأمم المتحدة للخدمات الجوية الإنسانية، التي يديرها برنامج الأغذية العالمي (WFP) والتي أثبتت أنها ضرورية للتنسيق الناجح للجهود الإنسانية المبكرة لجائحة كوفيد-19.

تواصل مكاتب الإيكاو الإقليمية السبعة العمل كنقاط تنسيق رئيسية للبلدان والصناعة مع استمرار هذا العمل. كما تعمل المكاتب على الخطوط الأمامية لمواءمة تدابير الاستجابة من بلد إلى آخر استناداً إلى إرشادات تعافي "الإقلاع" الصادرة عن فرقة العمل المعنية بتعافي الطيران التابعة لمجلس منظمة الطيران المدني الدولي، وهي الهيئة الإدارية المقيمة للمنظمة المكونة من 36 دولة.

لم تدخر منظمة الطيران المدني الدولي أي جهد لتقديم إرشادات لتمكين استئناف الطيران وتعافيه، فضلاً عن المساعدة الموجهة للدول المحتاجة بموجب مبادرتها "عدم ترك أي بلد وراء الركب" (NCLB). يساعد التنسيق الوثيق والمستمر للمكاتب الإقليمية مع الدول المعتمدة لديها، والمقر الرئيسي لمنظمة الطيران المدني الدولي، حالياً على تحسين التنسيق بين مسؤولي النقل الجوي والصحة العامة من دولة إلى أخرى وتسريع تعافي الصناعة حيثما كان ذلك مأموناً من الناحية الطبية.

تدعو هذه الأزمة إلى اتخاذ تدابير منسقة عالمياً وإقليمياً ومقبولة بشكل متبادل. وقد ساعدت الإجراءات التي اتخذتها منظمة الطيران المدني الدولي مجتمعةً في الحفاظ على تشغيل سلاسل التوريد الحرجة، وتسريع عمليات إعادة آلاف المواطنين الذين تقطعت بهم السبل في كل منطقة من مناطق العالم، واستمرت في تشغيل عمليات الأطقم الجوية والأفراد الضروريين، والحفاظ على قدرات الخدمات الجوية الإنسانية الطارئة التي تشتد الحاجة إليها.

 

الشراكة مع منظومة الأمم المتحدة ومدى فعاليتها

على الرغم من أن الأمور كانت سيئة بالنسبة للطيران الدولي منذ أن ضربت جائحة كوفيد-19، فقد كان من الممكن أن تكون أسوأ بكثير. وذلك لأن منظمة الطيران المدني الدولي ومنظمة الصحة العالمية، جنباً إلى جنب مع الدول وأصحاب المصلحة الوطنيين والإقليميين الرئيسيين في مجال الصحة العامة، قد بدأوا بالفعل النظر إلى مخاطر الجوائح على الطيران والتصدي لها قبل وقت طويل من حدوث هذه الجائحة الأخيرة. ووفقاً لتفشي مرض المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) والدروس المستفادة منه، تم العمل على الجمع بين الحكومات وغيرها في إطار الترتيب التعاوني للوقاية من أحداث الصحة العامة وإدارتها في الطيران المدني، أو (CAPSCA). كان تخطيط الاستجابة السريعة والتنسيق محورياً في الإجراءات المبكرة في مجال الطيران. وبما أن الطيران يعتمد على التدفق السلس للركاب والسلع بين مختلف وسائل النقل، فقد انخرطت الإيكاو في تعاون وثيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في مجالات السياحة والتجارة الدولية.

لقد أصبح واضحاً أيضاً أن أزمة كوفيد-19 توفر للمنظمة فرصة لتطوير شراكات أقوى يمكنها تسريع تحديد الحلول المستدامة للتحديات العالمية ونشرها. من أجل العودة إلى الوضع الطبيعي بعد جائحة كوفيد-19 ، وأن التعاون الشامل والمشترك بين القطاعات على جميع المستويات سيعيد العالم إلى المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لذلك عملت المنظمة على مواءمة جهود الاستجابة والتعافي من جائحة كوفيد-19 مع أهداف التنمية المستدامة لتحقيق "أمم متحدة واحدة". من الأهمية بمكان أيضاً التذكير بالرؤية الجماعية للأمم المتحدة لمعالجة التفاوتات التي تفاقمت بسبب الجائحة من خلال "عقد اجتماعي جديد لعصر جديد"، مع وضع كل ما ورد في الاعتبار، بدأت الإيكاو بالفعل في تشجيع الدعم الاقتصادي والمالي للحكومات لتعزيز الجدوى المالية للصناعة وتحسين إدارة المخاطر والتأهب للأزمات عبر قطاع الطيران بأكمله وإعطاء الأولوية للخدمات الجوية الأكثر مراعاة للبيئة والأكثر طموحاً من حيث الأهداف والإجراءات المتعلقة بالمناخ، وتتطلع المنظمة أيضاً إلى التنسيق -الأكثر كفاءة وشمولاً الذي أحدثته جائحة كوفيد-19- بين منظمة الطيران المدني الدولي ومنظمة الصحة العالمية، فضلاً عن المنظمات الدولية الأخرى؛ والاستفادة من أفضل الممارسات الجديدة المتعلقة بالأمراض المعدية والتحسينات الأخرى المتعلقة بالصحة؛ ونشر أحدث تقنيات الفحص والحلول الرقمية الأخرى للحفاظ على شبكة أكثر مرونة واستدامة في مواجهة التهديدات الوبائية المستقبلية.

وسيكون الابتكار أمراً حاسماً للنجاح في جميع هذه المجالات. كما سيكون لعمل منظومة الأمم المتحدة لإعادة ربط الضعفاء والمعزولين في العالم وإعادة تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى المسار الصحيح خلال عقد العمل الحاسم هذا في المستقبل القريب، ستكون شراكات المنظمة  مع الأمم المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى حيث تسرّع جميع الجهود نحو ضمان التوزيع العالمي الفعّال والعادل للقاحات كوفيد-19. وتفخر منظمة الطيران المدني الدولي بالاضطلاع بدورها المهم متعدد الأطراف خلال هذه الأوقات الصعبة وهي على ثقة من أن مستقبلاً أكثر إشراقاً ينتظرنا.

ملاحظة: البيانات المذكورة في هذه المقالة مقدمة من منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO).

 

إعداد: مالك الخضري

- إجازة في الإعلام / جامعة دمشق.

- مدير تحرير مجلة النقل.

 

المراجع :

  1. منظمة الطيران المدني الدولي الايكاو.
  2. بيانات وتقارير صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.