لطالما كان سوق الطائرات التجارية منذ عام 1990 حكراً على الشركتين الأضخم عالمياً لطائرات الخطوط الجوية، هذا السوق الذي يقدر بـ 4,6 تريليون دولار على مدى العشرين سنة القادمة تقاسمته شركتا Boeing الأمريكية ومنافستها الأوروبية Airbus، لكن نظرياً يبدو أن الخطوط الجوية ستحظى بخيارات أوسع من الطائرات، إذ أنه في نهاية العام الماضي 2015 كشفت الشركة الصينية كوماك CUMAC عن طائرتها C919 المنافسة للأمريكية Boeing طراز737 والأوروبية Airbus طرازA320 الشركتان الأشهر في سماء العالم، وصرحت كوماك أن طائرتها C919 ستقلع في رحلتها الأولى في عام 2016، الرحلة التي جاءت متأخرة بعامين عما كان مقرراً لها، وستكون الطائرة في الخدمة بحلول 2019.
وقد تم كشف النقاب عن الطائرة الأولى التي تنتجها مبادرة الحكومة الصينية الطائرة المنافسة في السوق لطائرات الركاب الكبيرة في شنغهاي.
فقد أظهرت شركة الطائرات التجارية الصينية (كوماك) طائرتها C919 ذات المحركين في حفل حضره 4000 من المسؤولين الحكوميين وغيرهم من الضيوف في هنغار بالقرب من مطار بودونغ الدولي، أن سوق الطيران الصيني ينمو بسرعة لكنه يعتمد على شركتي( Airbus (Boeing &، الأمر الذي يجعل الحزب الشيوعي الحاكم راغباً في الحصول على العائدات التجارية التي تتدفق إلى الموردين الأجانب.
بالنسبة للصين، تجسد الطائرة جهد ما لا يقل عن سبع سنوات في حملة فرضتها الدولة للحد من الاعتماد على (Airbus & Boeing) وحتى التنافس ضدهم، حيث صرح رئيس الطيران المدني في البلاد " لي جيا شيانغ " أمام جمهور من المسؤولين الحكوميين والصناعيين بأن "صناعة النقل الجوي في الصين لا يمكن لها الاستمرار في الاعتماد كلياً على الواردات الأجنبية، الأمة العظيمة يجب أن تحظى بأسطولها من الطائرات التجارية الكبيرة الخاصة بها".
في أشعة الشمس وأمام علم الصين الهائل ومن عمق المبنى خرجت شاحنة صغيرة تقطر الطائرة الجديدة المطليةً باللون الأبيض والذيل الأخضر رافقها سيراً صف العاملين والمهندسين في المشروع.
قال رئيس مجلس إدارة كوماك "جين تشوانغ لونغ" لجمهور الحفل " إن ظهور طائرة C919 الأولى تمثل معلماً هاماً في تطوير أول طائرة أصلية للصين"، وأضاف أن الطائرة ستقلع في أول رحلة تجريبية لها في عام 2016 مما يعني أنها ستتأخر عن الموعد الأصلي المقرر من هذا العام، وقد ذكرت صحيفة تشاينا ديلي بل أنه لا يمكن تأجيل الرحلة الأولى إلى عام 2017.
على الرغم من أن بناء طائرة C919 يتم في الصين، إلا أن شركات أجنبية تلعب أدواراً رئيسية من خلال توفير الأنظمة فضلاً عن المحركات والتي تتم من قبل شركة CFM الدولية المشتركة بين جنرال إلكتريك من الولايات المتحدة وسافران الفرنسية.
ولم يتم الكشف عن تكاليف طائرات C919، ولكن صرح بنك الصين للاستيراد والتصدير الشهر الماضي أنه سيزود شركة كوماك المملوكة للدولة بـ 7,9 بليون دولار لتمويل مشاريع طائراتها.
الشركة لديها بالفعل طلبيات بلغت 517 من طائرات C919، وحسب بيان كوماك أن جميعهم تقريباً من المشترين المحليين، ومن بين الزبائن الأجانب شركة تايلاند سيتي للخطوط الجوية التي طلبت عشر طائرات حسب تصريحها الشهر الماضي.
وعب�'ر مسؤولون في الصناعة عن رأيهم أن الأمر سيستغرق سنوات بالنسبة لطائرة C919 ليتم تسليمها للعملاء، باعتبار أن دخولها للخدمة فعلياً لن يكون قبل 2019 على أقل تقدير.
يبدو أن الصينيين ليسوا الوحيدين الذين يتطلعون لاختراق هذا الاحتكار الثنائي لسوق الخطوط الجوية، فبعد كل هذا التأخير تأمل شركة Irkut الروسية الشريكة في شركة النقل الجوي المتحدة التابعة للحكومة الروسية UAC في إطلاق طائرتها MC-21 في الخدمة عام 2017 لتزاحم مثيلاتها الأميركية والأوروبية.
الكثير من محللي قطاع الطيران يشككون فيما إذا كان هؤلاء المنافسون سيأثرون على Airbus Boeing &حتى مع دعم حكوماتهم لهم.
سوف تحوي طائرة C919 على المعدات ذات التصميم الغربي العالي بما في ذلك المحركات إلى أن يحين الوقت الذي ستنجح فيه الصين أن تكون أحد المصنعين الموثوقين لمحركات الطائرات التجارية عالمياً، لكن المحللين يظنون أن كفاءة استهلاك الوقود في الطائرة الصينية ستكون سبباً في تأخرها عن منافستيها الأحدث طرازاً من Airbus & Boeing.
ومع أن الروس والصينيين يمكن أن يكونوا قادرين على تصميم الطائرات، إلا أنهم لا يملكون الخبرة الكافية في أنظمة الإنتاج المعقدة وسلاسل الموردين اللازمين لبنائها حسب المعايير الأعلى من الوثوقية والأمان التي تتوقعها شركات الخطوط الجوية.
إن حاجتهما لتطوير سجلهما في مجال الأمان والسلامة سيؤكد على أنهما لا تشكلان خطراً على المدى القريب بالنسبة لمثيلاتها من Airbus & Boeing حسب تصريح "جيسون جيركسي" أحد المحللين في صناعة الطيران في سيتي غروب.
حتى شركة بومباردييه Bombardier الكندية التي تملك سجلاً جيداً في الأمان والجودة على صعيد طائراتها الصغيرة التي تنتجها فقد عانت كثيراً لدخول هذا السوق الرابح، وقد حصلت على طلبية طائرات من سلسلة C المتأخرة بما لا يزيد عن 250 طائرة، في المقابل قامتBoeing بتسليم 8700 من طائرتها طراز 737 بموديلاتها المتعددة ولديها طلبية لتسليم 4200 طائرة أخرى.
وقد تبين مؤخراً أن شركة بومباردييه فشلت في بيع حصتها من مشروع طائراتC لشركة Airbus، إذ أعلنت بومباردييه أن حكومة مقاطعة كيبك حيث يقع مقر الشركة سوف تدفع 1 بيليون دولار لحصة تبلغ 49.5 % في الطائرة التي بلغت تكاليف تطويرها حتى الآن ما يقارب 5,4 بيليون دولار.
إن انطلاق الحاملات الإقليمية في السوق يعد أمراً صعباً بالنسبة للطائرات الصغيرة (التي تحوي ما يقارب 100 مقعد)، وهو السوق الذي تستحوذ عليه شركتا بومباردييه وإمبرير البرازيلية Embraer، في حين تحاول كل من الصينية كوماك والروسية من فصيلة سوخوي وميتسوبيشي اليابانية أن تقتحم هذا السوق، إذ أقلعت طائرة كوماك الإقليمية الصغيرة ARJ21 في رحلتها التجريبية الأولى في عام 2008، ولكن بسبب مخاوف دارت حول تشقق الأجنحة وتخلخل التوصيلات الكهربائية حالت هذه المخاوف دون اعتمادها للرحلات التجارية في أميركا. وقد تأخر دخول طائرات ميتسوبيشي MRJ وطائرات سوخوي النفاثة أيضاً بسبب المشكلات التقنية. في الوقت الحاضر دخلت الطائرات النفاثة في الخدمة لدى حفنة من شركات الخطوط الجوية وكانت أغلب الطلبيات عبارة عن قطع للغيار، كما أن MRJ اليابانية سوف تقوم بأول رحلة لها قريباً.
ولكي نكون منصفين، فإنه وحتى بالنسبة لعمالقة صناعة الطائرات ليس من السهل بناء تصميم جديد كلياً، إذ أن تكاليف البحث والتطوير لمشروع الطائرات الجديدة لدى Boeing من طرازDreamliner 787 ارتفعت إلى ما يقارب الـ 28 بليون دولار نتيجة للمشكلات مع سلاسل الموردين والإلكترونيين، كما أن العائدات من طائرات Airbus الأحدث من طراز A380 بالكاد غطت تكاليف إنتاجها، ناهيك عن غرق رأس المال في عمليات التطوير.
فإذا كان عمالقة هذه الصناعة يواجهون صراعاً طويلاً وباهظاً لبناء تصميم جديد يحلق في السماء، فلا عجب أن يواجه نظراؤهم وقتاً عصيباً.
مترجم : م. هبة العطار - مديرية المعلوماتية والاتصالات / وزارة النقل
المراجع: عن المقالات في الروابط اللاحقة
http://edition.cnn.com/2015/11/02/asia/china-new-c919-passenger-jet/
http://www.businessinsider.com/china-unveils-first-large-passenger-plane-2015-11
http://www.wsj.com/articles/china-rolls-out-first-large-passenger-jet-1446453990