مقدمة
يعد النقل أحد دعائم التنمية الشاملة للدولة، بل أصبح النقل معياراً ومقياساً لتقدم أوتأخر (تخلف) الأمم، وما لم يحقق قطاع النقل متطلبات الاتصال والترابط والتشابك الداخلي والخارجي، وفق الشروط والمعايير التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة لن تستطيع الدولة أن تواكب التطور الحضاري المعاصر بكافة أبعاده، ولما كانت مشاريع النقل الحديثة تتميز بالضخامة، من حيث تطلبها قدرات تمويلية كبيرة وتكنولوجيا عالية للتنفيذ وإدارة علمية للتشغيل، كان على الحكومة إيجاد آلية تضمن لها تنفيذ هذه المشاريع واستثمارها بأقصر فترة ممكنة، وضمان عدم تحميل خزينة الدولة أعباء مالية كبيرة، نتيجة الضغط الإنفاقي الكبير.
تؤدي الدولة ممثلة بقطاعها العام دوراً رئيسياً ومباشراً في تقديم خدمات النقل بكافة أنماطه، من خلال شبكات الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ البحرية وما يتبع لها من مرافق عامة، وترصد مبالغ مالية كبيرة لقطاع النقل لما له من أهمية في بناء الاقتصاد الوطني وارتباطه الوثيق بالسياسات والاستراتيجيات الموضوعة لتحقيق التنمية الشاملة، إلا أن متغيرات عديدة قد حالت دون استمرار القطاع العام (الحكومي) وحده بتقديم خدمات النقل بالشكل المتميز والمواكب للتطورات الحديثة في التكنولوجيا والاقتصاد، مما دفع الحكومة ومنذ مطلع العام 2008م للبحث عن شريك في تقديم خدمات النقل تحقيقاً لاعتبارات تتعلق بالكفاءة الاقتصادية وتوافقاً مع الاتجاهات الحديثة في الإدارة العلمية التي تدعو لتخفيف العبء عن كاهل الحكومة ورفع جودة خدمات النقل، على الرغم من أن دخول القطاع الخاص (المحلي والخارجي) للاستثمار في بناء وإدارة البنى التحتية الأساسية في الدولة، وعلى رأسها قطاع النقل، يشكل تحدياً كبيراً للحكومة وللقطاع الخاص الوطني على حد سواء.
تبنت الحكومة السورية خيار التشاركية بين القطاعين العام والخاص، واعتبرته خياراً استراتيجياً بعد مؤتمر التشاركية بين العام والخاص الذي عقد في 30 تشرين أول عام 2009م، وبسبب ظروف الأزمة الحالية فقد تأخر صدور قانون التشاركية، وقد تحقق ذلك لاحقاً بإصدار القانون رقم /5/ في 2016/1/11م. تأمل الحكومة أن توفر لها هذه التشاركية مع القطاع الخاص الآلية اللازمة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية القادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للنموالاقتصادي، وتحقيق متطلبات إعادة الإعمار والتطوير في القطر.
ومن المفيد ذكره أن:
- تكلفة مشاريع النقل التي طرحت للاستثمار ما قبل الأزمة (نهاية عام 2009م) وفق مبدأ التشاركية بين العام والخاص قد فاقت مبلغ 200 مليار ليرة سورية (حوالي 4.4 مليار دولار)، خاصة في مجال الطرق السريعة والنقل المديني والموانئ البحرية.
- صدور قانون التشاركية يعد خطوة هامة لتغطية جانب تشريعي هام، إلا أن المخاطر المرافقة لمثل هذه التعاقدات تحتم على الباحثين في مجال النقل، إضافة إلى نظرائهم الاقتصاديين والقانونيين والعاملين في مجال التخطيط الاستراتيجي دراسة مشاريع الاستثمار وفق التشاركية ومقومات نجاحها وفق منهج علمي يأخذ خصوصية قطاع النقل في الجمهورية العربية السورية بالاعتبار، وذلك بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى دون استنساخها.
- قدرة قطاع النقل في الجمهورية العربية السورية، على المساهمة الفعالة في تأمين الدعم اللوجستي المناسب لبعض المناطق أولجميعها، في الأحوال والظروف غير الاعتيادية، كالكوارث والأزمات والحروب، تعد من الخصائص الاستراتيجية الهامة لهذا القطاع الواجب تعزيزها في زمني السلم والحرب.
إعداد : الدكتور المهندس أيسر حسين نجد - رئيس دائرة البحث العلمي، معاون مدير البحوث الطرقية والمختبرات / المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية