على الرغم من كل التقدم الصناعي والتكنولوجي الذي توصل إليه الإنسان لمناطحة الطبيعة البحرية إلَّا أنه وبسبب استخدامه للسفينة في مختلف المجالات وتحت ضغط احتياجات الجماعة البشرية قد تتعرض هذه السفينة للمخاطر أو الحوادث البحرية في أثناء سيرها في البحر.
تنشأ هذه الحوادث عن فعل الطبيعة أو فعل الإنسان، ولكونها تصيب السفينة في البحر يطلق عليها الحوادث البحرية نظراً لارتباطها بالبحر مكاناً، وبالرحلة البحرية زماناً، ورغم محاولة الإنسان تنظيم هذه الحوادث على مر العصور إلَّا أنه لم يستطع حتى الآن التغلب على كافة العوامل الطبيعية غير المتوقعة من العواصف والأعاصير وشدة التيار البحري وارتفاع الأمواج والضباب...الخ، كذلك الأخطاء البشرية التي تعدُّ السبب الرئيسي في الحوادث البحرية خاصة ما يحدث لناقلات البترول العملاقة. ولعل أهم ما يميز القانون البحري ويجعل له ذاتية خاصة بين مختلف القوانين الأخرى تلك الأخطار التي تكتنف الملاحة البحرية مما يجعل هذه الأخيرة ذات طبيعة خاصة حيث تؤدي تأثيرات الطقس والأخطاء البشرية إلى جعل السفينة وسيلة انتقال مهددة بالأخطار في الكثير من الأحيان، وتعدُّ الحوادث البحرية التي تتعرض لها السفن من المخاطر البحرية التي تسبب أضراراً بالرسالة البحرية أو السفينة، حيث تُعرف بأنها: «الحوادث الناتجة عن البحر والمرتبطة نشوؤها بالملاحة البحرية؛ وهي حوادث البحر، الحريق، حوادث الحرب، القراصنة، لصوص البحر، السارقون، الاستيلاء، الحجز، الإيقاف والمنع بأمر السلطة، الرمي في البحر، خيانة الربان، وأية حوادث بحرية مشابهة أخرى أو أن يكون منصوص عليها بالوثيقة».
ومن بين المخاطر البحرية العديدة التي تنطوي عليها الملاحة البحرية يأتي «التصادم البحري» في مقدمة تلك المخاطر وأخطرها على الإطلاق، الذي قد يحدث للسفينة أو قد ينتج عن قيام السفينة بمساعدة وإنقاذ سفينة أخرى في البحر، وقد يحدث أن يضطر ربان السفينة إلى التضحية بجزء من البضائع لإنقاذ السفينة، ويسمى هذا الحادث بالخسارة البحرية المشتركة، وشيوعه أي -التصادم البحري- ليس فقط في البحار العامة بل أيضاً في الساحل وخاصة عند دخول المناطق الملاحية الضيقة والتي غالباً ما يسفر عنها أضراراً جسيمة تلحق بالسفن المتصادمة والبضائع المنقولة عليها وبأفراد الطاقم والمسافرين كما أن للتصادم البحري آثاراً بالغة الخطورة لا تقف عند الاصطدام والضرر الحاصل بالسفينتين المتصادمتين بل قد تمتد أيضاً إلى البيئة البحرية كما لو تسبب في تسرب للمواد البترولية أو المواد السامة المنقولة بحراً. وخطورة التصادم البحري كانت سبباً في وجود العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية التي تناولت الموضوع من مختلف جوانبه القانونية.
فالحوادث البحرية اصطلاحاً هي عبارة عن وقائع مادية تقع للسفينة فجأة في أثناء الرحلة البحرية، قد يترتب عليها ضرر للسفينة أو الحمولة أو لسفن أخرى أو للبيئة البحرية أو لمنشآت الموانئ التي ترتادها السفينة، وإذا ما وقعت مثل هذه الحوادث فإنه يترتب عليها آثاراً قانونية يمتد أثرها ليشمل الوسائل الملاحية المستخدمة وما تحتويه من إرساليات بحرية وقد ينجم عن ذلك إلحاق الضرر بأصحاب الشأن، ويتسع نطاقه ليشمل الأضرار بالأموال والأرواح. أمَّا في الاصطلاح القانوني فقد عرَّف قانون التأمين البحري الإنجليزي لسنة 1906 الحوادث البحرية في المادة 3/2 منه بأنها: «الحوادث التي تكون ناشئة عن الملاحة في البحر أو مرتبطة به»، ومن ثمَّ فإن الحوادث البحرية هي كل ما يمكن أن يحدث في أثناء وجود الشيء في البحر، كما تضمنت المادة 4/2 من اتفاقية توحيد القواعد المتعلقة بسندات الشحن سنة 1924 النص على «لا يسأل الناقل أو مالك السفينة عن الهلاك أو التلف الناتج عن مخاطر البحر أو المياه الملاحية الأخرى أو أخطارها أو احداثها»، ومن خلال النص نجد أن تعريف الحوادث البحرية هي تلك الحوادث القهرية الناشئة عن البحر والتي تصيب السفينة في أثناء الرحلة البحرية، وما عدا ذلك لم يرد أي تعريف في الاتفاقيات الدولية لمصطلح الحوادث البحرية، بل اختص كل منها بخطر معين، حتى إن المتصفح لنصوص القوانين البحرية يجد حصر الحوادث البحرية في التصادم والمساعدة والإنقاذ والخسارات البحرية المشتركة فقط، فلم يرد أي تعريف عام للحوادث البحرية وإنما تعريف كل حادث على حِدة بحيث أوردت التشريعات تعريفاً محدداً لكل حادث وعالجت أحكامه وآثاره الناشئة عن حدوثه.
ويمكن استنتاج تعريف الحوادث البحرية بأنها واقعة يمكن أن تسبب حدوث الحادث البحري، هذا الحادث الذي يتنوع من حيث ظروف الوقوع وشكل الضرر، مثل الجنوح أو الحريق أو التصادم البحري الذي يأتي في مقدمة الحوادث التي تهدد الرسالة البحرية من بين الحوادث البحرية العديدة التي تنطوي عليها الملاحة البحرية حتى إنه يعد أخطرها على الإطلاق لا سيما بعد استخدام البخار والطاقة الذرية في تسيير السفن، الأمر الذي مكنها من السير بسرعات فائقة، كما أصبحت هياكل السفن مصنوعة من الفولاذ والصلب وتضخمت أحجامها بدرجة كبيرة مما يجعل التصادم في كثير من الأحيان أمراً مروعاً ويؤدي لخسائر فادحة في الأرواح والاموال، ولا تقتصر خسائر التصادم على الأضرار التي تلحق بهياكل السفن المتصادمة وملحقاتها فقط بل تمتد لتشمل السفن الأخرى التي قد تكون بالجوار في أثناء حدوث التصادم، فضلاً عن تلوث البيئة البحرية بالزيت (النفط) - رغم التقدم العلمي والتقني في صناعة وبناء السفن وإن قلل حالات التصادم- إلَّا أنه لم يقلل من حِدة نتائجه والتي ازدادت خطورة عن ذي قبل، فضخامة السفن الحديثة وازدياد سرعتها في أثناء السير ضاعف حجم الكوارث التي تنجم عن التصادم البحري. أمَّا على المستوى الدولي والعالمي فتمثل هذا الاهتمام في إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية وتوقيع البروتوكلات وإصدار المواثيق والتي تتضمن في طيات نصوصها أحكام الحوادث البحرية بشكل عام أو معالجة أحكام أحد هذه الحوادث بشكل خاص من حيث نطاقه وأحكام الآثار القانونية المترتبة على حدوثه، وقد أبرمت في هذا الصدد العديد من الاتفاقيات الدولية، ومن أهمها اتفاقيةBruxelles لسنة 1910 حول التصادم البحري والمساعدة والإنقاذ، ومؤتمرLonders لسنة 1960 حول سلامة الأرواح البشرية، ومؤتمرات قواعد يورك وأنفرس المتعلقة بالخسائر البحرية المشتركة، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، الاتفاقية الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالاختصاص المدني في قضايا الاصطدامBruxelles 1952, والاتفاقية الدولية لسنة 1974 المتعلقة بإنقاذ الحياة البشرية في البحر وبروتوكول سنة 1978. وقد جاء في اتفاقية العمل البحري 2006 بصيغتها المعدلة في اللائحة (5-1-6):
1-تجري كل دولة عضو تحقيقاً رسمياً في أي حادث بحري خطير يتعلق بسفينة ترفع علمها ويؤدي إلى إصابة أو إلى خسارة في الأرواح ويجري في العادة نشر التقرير النهائي للتحقيق.
2-تتعاون الدول الأعضاء مع بعضها لتسهيل التحقيق في الحوادث البحرية الخطيرة المشار إليها في الفقرة (1) من هذه اللائحة.
وبناء على هذا الاهتمام الوطني والدولي بأحكام المخاطر والحوادث البحرية وجد نوع من التعاون في أحكام هذه الحوادث على المستوى الوطني والدولي, فرغم أن القوانين الوطنية عالجت أحكام الحوادث البحرية ضمن قانون التجارة البحرية أو القانون البحري لكل دولة إلَّا انها سعت دوماً لتعديل هذه النصوص لمواكبة التطورات في مسائل التجارة البحرية ودواعيها من خلال اقتباس ما يرد من أحكام في الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات والمواثيق الدولية بهذا الشأن، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من نصوص قوانينها الداخلية.
وسأتكلم بدايةً عن أنواع الخطر البحري موجزاً التفصيل فيها, ومن ثمَّ سأفصِّل في خطر التصادم البحري كونه الأكثر خطورةً من بين الحوادث البحرية، مبيّناً ماهيته وصوره والوسائل الكفيلة بمعالجته.
أنواع الأخطار البحرية:
1-خطر الأمطار:
قد تتعرض البضائع المنقولة بحراً إلى هطول الأمطار التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى تلفها، بيد أنه يشترط لغايات شمول خطر المطر بالتأمين أن يكون المطر غير عادي؛ إذ إن تقلبات الجو العادية لا تعدُّ خطراً بحرياً، وهو ما عمل به المشرع الإنجليزي الذي اعتبر المطر حالة من حالات الطقس العادي فلا يجوز شموله بوثيقة التأمين، أمَّا المشرع الفرنسي فقد ذهب إلى اعتبار المطر خطراً بحرياً يشمله التأمين طالما أنه قد حدث في أثناء الرحلة البحرية.
2-التأمين ضد إعسار الشاحن:
إن مجهِّز السفينة والشاحن عند البدء بالرحلة البحرية قد تصبح ذممهم مشغولة للغير، ومن الممكن أن تتعرض الرسالة البحرية إلى هلاك يستغرق كل أموالهم وحتى الخاصة منها، الأمر الذي يؤدي إلى إعسارهم، فهل يجوز أن يلجأ دائن المجهز أو الشاحن المعسر إلى حماية نفسه بالتأمين من خطر إعسار المجهز أو الشاحن؟. يشترط في المؤمن له أن تكون له مصلحة في التأمين، وأن تكون هذه المصلحة مشروعة، ويقصد بالمصلحة الفائدة التي تعود على المؤمن له وعادةً تكون الفائدة اقتصادية وتظهر أهمية المصلحة في أنه على أساسها يتحدد مقدار التعويض الواجب دفعه حال حدوث الخطر، بالإضافة إلى وجود مصلحة للمؤمَّن له من التأمين في حال عدم وقوع الخطر حتى لا يستقدمه المؤمن له طمعاً في الحصول على مبلغ التأمين. ولا خلاف في ضرورة وجود المصلحة لدى المؤمن له من الأضرار التي قد تلحق به، ولكن التساؤل الذي يثار هنا، هل يجوز للدائن العادي أن يؤمن على أموال مدينه المؤمن له خوفاً من أن لا يتمكَّن من استيفاء ديونه بسبب تزاحم الدائنين؟. لا يستطيع الدائن العادي أن يؤمن على مال معين من أموال المدين، ولكنه يستطيع أن يؤمن على بقاء اعسار المدين لأن ذلك من مصلحته، ويسمَّى هذا التأمين بالتأمين ضد إعسار المدين أو تأمين الائتمان، والخطر الذي يشمله هذا التأمين لا يتمثل في الإعسار الحقيقي (كإشهار الإفلاس) فقط ولكن أيضاً يشمل الإعسار المفترض كحالة عدم الوفاء بالدين خلال مدة محددة تبدأ من وقت استحقاقه. ولكن هل يعدُّ هذا النوع من التأمين تأميناً بحرياً أم لا؟. يختلف اعتبار التأمين على إعسار المدين تأميناً بحرياً أم لا وفقاً للزاوية التي ينظر إليه منها، فإذا اعتبر إعسار المجهِّز أو الشاحن وانشغال ذمته حدث نتيجة لخطر بحري متعلق بالسفينة والبضائع والحوادث البحرية يمكن القول إن التأمين في هذه الحالة تأمين بحري، أمَّا إذا نظر إلى هذا التأمين من ناحية محل التأمين، وهو حالة إعسار المجهِّز أو الشاحن ذاته ولو كان هذا الإعسار ناتجاً عن خطر بحري فإن ذلك لا يعني أن التأمين يعتبر بحرياً. ومن الواقع العملي فإن أغلب شركات التامين ترفض عادة التأمين على إعسار المجهِّز أو الشاحن حيث إن شركات التأمين لا تعلم من هو المجهِّز الخارجي للشحنة المؤمن عليها.
3-خطر القرصنة البحرية:
كانت القرصنة البحرية في الماضي تشكِّل خطراً تواجهه السفن التي كانت تجوب البحار، ومع مرور الزمن أصبحت تعدُّ القرصنة من الأخطار النادرة إلَّا أنه وفي الوقت الحالي عاد هذا الخطر إلى الظهور على الساحة بقوة وبشكل مقلق. والسؤال الذي يُطرح هنا، ماهي القرصنة البحرية، وعلى من يُطلق لقب قراصنة، وهل كل من يقوم بسرقة سفينة والاستيلاء عليها يصنف كقرصان؟. إن لقب القراصنة يُطلق على مجموعة من الاشخاص اتخذوا من عمليات السلب والنهب في البحار حرفة لهم، وهم لا يخضعون لسلطة دولة معينة، ولا تحمل سفنهم علماً من أعلام أية دولة من الدول، ويُطلق هذا المسمَّى أيضاً على ركاب السفينة المتمردين والمشاغبين الذين يهاجمون السفينة من الساحل، ويُطلق لقب قرصان على أفراد السفينة أو طاقمها الذين يرغبون بتحويل طريق السفينة وذلك لهدف غير مشروع. وقد تكون القرصنة في أصلها ومعناها الدقيق هي كل عمل عنف غير قانوني ترتكبه سفينة خاصة في عرض البحر ضد سفينة أخرى بنية النهب، كما وعرفت القرصنة بأنها القيام أو محاولة القيام بأعمال عنف من جانب أشخاص على ظهر سفينة خاصة ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر سفينة أو طائرة أخرى في عرض البحر بهدف السلب والنهب، كما أن القرصنة تشمل أيضاً التمرد الناجح.
4-خطر السرقة:
تُعرف السرقة بأنها: «أخذ مال الغير المنقول دون رضاه», وقد ضمنها المشرع الانجليزي في المادة (3) من قانون التأمين البحري الإنجليزي لسنة 1906. ولا يشترط أن تكون السرقة مقرونة بالعنف، وقد اكتفى المشرع بعدم رضا مالك المال لكي تتحقق السرقة.
5- خطر اللصوصية:
اللصوصية هي عبارة عن عمليات السلب والنهب والسرقة المقترنة بالعنف والإغارة على السفينة من خارجها سواء أكانت السفينة وسط البحر أم راسية في أحد الموانئ.
ما تقدَّم هي أبرز الأخطار البحرية, وسأتكلم في الفقرة الآتية عن أكثر الحوادث البحرية خطورةً ألا وهو التصادم، فما هي ماهية التصادم البحري، وما هي شروطه وصوره, ووسائل معالجته.
أولاً: ماهية التصادم البحري، شروطه وصوره:
يعدُّ التصادم البحري من أهم بل من أكثر الحوادث شيوعاً ليس فقط في البحار العامة بل أيضاً عند دخول المناطق الساحلية الضيقة أو عند الاقتراب من الموانئ.
إن آثار ونتائج التصادم جسيمة على الأرواح وكذلك بالنسبة للخسائر المادية ولا سيما البيئة البحرية خاصة إذا نتج عن التصادم تسرب لمواد سامة أو بترولية منقولة بحراً.
*شروط التصادم البحري:
من خلال نص المادة (236) من القانون البحري يمكن أن نحدد ثلاثة شروط لاعتبار الحادث تصادماً بحرياً وهي على النحو الآتي:
أولاً: أن يحصل بين منشأتين عائمتين إحداهما على الأقل سفينة، ويقصد بالمنشأة العائمة هي سفينة بحرية عائمة معرضة فعلاً وبطريقة معتادة لمخاطر البحر، كما يقتضي تخصيص السفينة للملاحة البحرية بأن تكون صالحة لهذه الملاحة في حالة جيدة تكفل سلامتها مع مراعاة ما قد تتعرض له من أخطار، وهذه الصلاحية للملاحة هي التي تحدد بدء حياة السفينة قانوناً ونهايتها، فالمنشأة لا تعدُّ سفينة إلَّا من وقت صلاحيتها للملاحة ويزول عنها هذا الوصف إذا فقدت هذه الصلاحية أو صارت حطاماً، ويستبعد من مفهوم السفينة كل جسم عائم لا يعدُّ سفينة أو مركب ملاحة داخلية كرافعة أو حطام أو صندل أو طائرة بحرية، وتجدر الإشارة إلى أن التصادم الواقع بين منشأتين مملوكتين لشخص واحد يعتبر تصادماً بحرياً تسري في شأنه أحكام القانون البحري وذلك فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق الغير نتيجة التصادم البحري، ولكي يتحقق المعنى اللغوي للتصادم يلزم احتكاك أو ارتطام بين المنشآت البحرية المتصادمة، وقد لا يكفي اعتبار الحادث تصادماً أن يحصل بين المنشأتين عائمتين أو أكثر، بل يجب أن تكون إحدى المنشأتين على الأقل سفينة بحرية سواء في ذلك أكانت صادمة أم مصدومة، وسواء وقع الحادث في المياه البحرية أو المياه الإقليمية وكثيراً ما يقع في المياه النهرية التي تجتازها السفن البحرية للوصول إلى بعض الموانئ الهامة كميناء لندن بالمملكة المتحدة –بريطانيا- وبوردو بفرنسا وهامبورغ بألمانيا.
ثانياً: ارتطام مادي بين منشأتين، لكي يتحقق المعنى القانوني للتصادم يلزم حصول احتكاك أو ارتطام بين المنشآت البحرية المتصادمة، وقد كان القضاء يشترط لاعتبار الحادث تصادماً أن يحصل احتكاك أو ارتطام مادي بين منشأتين عائمتين فلا يعدُّ ناشئاً عن تصادم الضرر اللاحق بالسفينة بسبب الأمواج العنيفة التي تحدثها سفينة أخرى مارة بالقرب منها دون أن ترتطم بها، ومع ذلك لا يشترط اعتبار الحادث تصادماً وقوع ارتطام مادي بين السفن بل يكفي أن ينشأ الحادث عن قيام إحدى السفن المتصادمة بحركة واجبة أو مخالفة لقواعد السير في البحر. ومثال ذلك: أن تسير السفينة على مقربة من سفينة أخرى دون مراعاة السرعة أو المسافة التي تقضي بها قواعد السير في البحر، فتحرك الأمواج من حولها قد تحدث ضرراً، أو أن تسير سفينة في الضباب دون إطلاق الصفارات أو الأجراس المعتادة ثمَّ تفاجأ سفينة أخرى بوجودها على مقربة منها فتقوم بحركة مفاجئة لاجتناب الارتطام بها ويحدث الضرر بسبب هذه الحركة.
ثالثاً: أن يحصل ارتطام بين منشأتين عائمتين، لا يكفي أن تكون إحدى المنشاتين المتصادمتين سفينة بحرية أو أن يحدث ارتطام مادي بينهما أو أضرار بإحدى المنشأتين نتيجة فعل أو إهمال أو عدم مراعاة القواعد المتعلقة بالسير في البحار، بل لا بدَّ من توافر شرط ثالث هام وهو أن يحدث الارتطام بين منشأتين عائمتين أو أكثر فإذا ارتطمت إحدى السفن بجسم ثابت كرصيف أو حاجز أمواج أو صخور فلا يعدُّ هذا الارتطام تصادماً بحرياً بل تطبق عليه المبادئ العامة في المسؤولية وكذلك الحكم فيما لو ارتطمت السفينة بجسم عائم لا يعدُّ سفينة أو مركب ملاحة داخلية ككراكة أو رافعة أو حطام أو صندل.
*أنواع التصادم البحري
اختلفت الأسباب المؤدية إلى وقوع التصادم وأن أساس معايير المسؤولية الناتجة عن التصادم تتعلق بالدرجة الأولى بخطأ إحدى المنشأتين العائمتين إلَّا أن التصادم قد يقع نتيجة خطأ مشترك بين هاتين المنشأتين بالإضافة إلى ذلك فقد يقع التصادم نتيجة قوة قاهرة يستبعد فيها الخطأ لأي من المنشأتين، كما قد يجهل السبب الذي أدى إلى وقوع التصادم لعدم إمكانية إقامة الدليل القاطع على إثبات وقوعه.
أ-التصادم القهري والمشكوك في سببه:
1- التصادم القهري أو الحتمي: القوة القاهرة هي كل حادث لا يمكن توقعه وتفاديه. أمَّا التصادم القهري فهو التصادم غير المعتمد الذي لا يمكن التنبؤ به ثمَّ لا يمكن تجنبه أو تفاديه بممارسة قدر معقول من العناية والمهارة، ففي ظل التصادم القهري إذ طالما تعذر الوقوف على سبب وقوع التصادم على وجه القطع فإنه يكون أقرب إلى اعتباره تصادماً قهرياً، وغالبية حوادث التصادم القهري تحصل في الموانئ والمراسي نتيجة هبوب عاصفة قوية تتسبب في قطع الحبال التي تربط السفينة بالرصيف واقتلاع مرساها، أو لارتفاع مفاجئ للمياه في الميناء أو إلى الضباب، أمَّا في حالة إخطار طاقم السفينة بالأحوال الجوية المتوقعة وكذلك في حال عطل ميكانيكي للسفينة فلا يعتبر التصادم قهرياً في حالة وقوعه.
2- التصادم المشكوك في سببه: هو التصادم الذي لا يمكن معرفة سببه على وجه التحديد ويعجز الطرفان عن إقامة الدليل على وجود القوة القاهرة أو على وجود خطأ منفرد أو مشترك لدى وقوع الحادث.
ب- التصادم الناشئ عن خطأ إحدى المنشأتين:
إذا نتج التصادم بخطأ إحدى السفن وقع تعويض الأضرار على عاتق السفينة التي ارتكبت الخطأ، فمثلاً من الأضرار كتلك التي تلحق بالسفينة المصدومة والركاب أو البضاعة المشحونة، ويرجع الخطأ في هذه الحالة إمَّا لربان السفينة، كأن يخالف القواعد الدولية لمنع التصادم في البحر كعدم إخلاء الطريق لسفينة لها أولوية المرور أو عدم إضاءة النوار للملاحة ليلاً أو عدم القيام بالمراقبة الجيدة أو عدم تخفيض السرعة في أثناء الرؤية الرديئة، وإمَّا للمجهز نفسه كأن يسمح بسفر سفينة غير صالحة للملاحة أو غير مزودة بطاقم كاف أو مزودة بطاقم غير مؤهل حسب مستويات السلامة المطلوبة، فعلى المدعي أن يقيم الدليل على دعوى التصادم على خطأ الربان أو المجهز بكافة طرق الإثبات حيث يمكن الاستعانة بالتقارير البحرية ودفتر أحوال السطح وكذلك الاستعانة بأهل الخبرة في المجال البحري.
ج- التصادم بخطأ مشترك:
يقصد بهذا النوع من التصادم أن يكون التصادم قد وقع نتيجة خطأ كل من السفينتين المتصادمتين.
*صور التصادم البحري:
تظهر لنا صور التصادم في الخطأ الذي يعد السبب الغالب والجزء الأكبر في حدوث التصادمات البحرية، ومعظم الأحكام القضائية المنشورة تتعلق بهذا النوع من التصادم حيث تختلف النتائج تبعاً لما كان الخطأ فردياً أو إذا كان هناك خطأ مشترك، فطبقاً لمعاهدة بروكسل سنة 1910 استعمل تعبير "خطأ السفينة" وهو التعبير الذي أخذ به القانون الفرنسي الجديد وأخذت به كل التشريعات البحرية العربية، وتعبير "خطأ السفينة" أو خطأ إحدى السفن يواجه كل الأخطاء التي يمكن أن تقع من الاشخاص المسؤولين والقائمين على تحريك السفينة وصيانتها ويبرر هذا الاصطلاح أن مرتكب الخطأ يكون غالباً مجهولاً وإنما يعرف بأنه أحد أفراد الطاقم فلا توجد قرينة ضد سفينة ما، وهناك عدة صور للتصادم، منها:
1-الطريق الواجب اتباعه:
للسير في البحار قواعد لا بدَّ من احترامها لتفادي خطر التصادم، فعندما تتقابل سفينتان مسيرتان آلياً على خطوط سير عكسية بحيث ينجم عن ذلك خطر التصادم يجب على كل منهما أن تغيِّر خط سيرها إلى اليمين بحيث تمرُّ كل منهما على الجانب الأيسر للسفينة الأخرى. وعندما يتقاطع خط سير سفينتين آليتين لدرجة تعرضهما لخطر التصادم يجب على السفينة التي تكون الأخرى على جانبها الأيمن أن تخلي الطريق وأن تتجنب قطع خط سير السفينة الأخرى، وقاعدة السير على اليمين تنطبق كذلك على سفن الصيد وعلى التصادمات التي تقع في الموانئ إذا لم تكن هناك قاعدة محلية تناقضها. أمَّا في حالة السفن التي تسير في طرق متوازية فإن قاعدة السير على اليمين لا تنطبق عليها إذا حافظت كل سفينة على خط سيرها، أمَّا فيما يخص بمرور السفن في القنوات الضيقة فيجب على كل سفينة تسير في قناة أو ممر ملاحي ضيق أن تسير بالقرب من الحد الخارجي للقناة أو الممر الملاحي على جانبها الأيمن كلما كان ذلك مأموناً عملياً.
2-السرعة:
تعدُّ السرعة من قبيل الخطأ، فإذا كانت السفينة حرة في استعمال ماكيناتها بأقصى قوة لها، فالسرعة الزائدة تعدُّ إهمالاً في حالة الرؤية الرديئة بسبب الضباب أو عند الاقتراب من ميناء، وتتعلق القاعدة (6) من قواعد منع التصادم باستخدام السفن للسرعات الآمنة safe speed التي تحقق التصرف الفعال للسفينة لتفادي خطر التصادم، وقد أوردت بعض الاعتبارات المتعلقة بتحديد السرعة الآمنة بالنسبة لجميع السفن وبالنسبة للسفن المزودة بأجهزة الرادار، وقد أشارت القاعدة إلى العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد السرعة الآمنة، فعلى جميع السفن مراعاة حالة الرؤية، وكثافة حركة مرور السفن ويشمل ذلك تجمعات سفن الصيد أو أي سفن أخرى، وقدرة السفينة على المناورة مع مراعاة المسافة اللازمة لتوقفها والقدرة على الدوران في الظروف السائدة، كحالة الريح والبحر والتيارات المائية والقرب من الأخطار الملاحية، وهناك عوامل إضافية تناولتها القاعدة (6) وهي خصائص ومدى كفاءة وحدود جهاز الرادار، وتأثير حالة البحر والطقس وأية مصادر أخرى للتشويش على قدرة ومقياس المدى المستخدم في الرادار لاكتشاف الأهداف، وإمكانية عدم اكتشاف الرادار للسفن الصغيرة والثلوج والأجسام العائمة الأخرى على مدى مناسب.
3- الأنوار والأشكال:
تضمنت القواعد الدولية لمنع التصادم في البحار لسنة 1972 قواعد من (20) إلى (30) تبين الأنوار الواجب على السفن إظهارها سواء على الصاري أو على الجوانب أو على المؤخرة، وقد حددت هذه الأنوار للسفن الآلية المبحرة قاعدة (23)، والسفينة الآلية القائمة بعملية قطر، والسفينة أو العائمة المقطورة قاعدة (24), والسفن الشراعية المبحرة والسفن المسيرة بالمجاديف قاعدة (25)، وسفن الصيد قاعدة (26)، والسفن التي ليست تحت السيطرة أو محدودة القدرة على المناورة قاعدة (27)، والسفن المقيدة بغاطسها قاعدة (28)، وسفن الإرشاد قاعدة (29)، والسفن المستقبلة على المخاطف والسفن الجانحة قاعدة (30)، والطائرات المائية قاعدة (31). وتختلف هذه الأنوار تبعاً فيما إذا كانت السفينة آلية أو شراعية، مبحرة أو راسية، قاطرة أو مقطورة، إلى غير ذلك، كما أن على سفن الإرشاد وسفن الصيد أن تظهر أنوار معينة عند قيامها بعملياتها، وأجازت القاعدة (13) من قواعد منع التصادم لسنة 1960 التي تشير إلى الأنوار الخاصة التي على السفن الحربية إظهارها ولكن القواعد الجديدة لسنة 1972 أجازت في الفقرة (ج) من القاعدة الأولى لحكومة أي دولة أن تضع قواعد خاصة بشأن موقع الأنوار أو الأشكال أو أنوار الإشارة أو الإشارات بالصفارة بالنسبة للسفن الحربية والسفن المبحرة في قوافل أو لسفن الصيد وألا تكون هذه الأنوار الخاصة التي تضعها الدولة لها أي موضع ليس مع أي إشارة أو إشارة منصوص عليها في هذه القواعد، خاصة السفن القصيرة التي لا تكون مزودة بالأدوات المطلوبة.
4-الإشارات الضوئية والصوتية:
خصصت هذه الإشارة في أثناء انتشار الضباب وما يصاحبه من تعذر رؤية السفن بعضها البعض وعدم القدرة على الملاحة بانسيابية وسهولة إلى زيادة حوادث التصادم، لذلك نجد أن قواعد منع التصادم تفرض بعض الالتزامات على السفن في مواجهة مثل هذه الظروف، ومن هذه الالتزامات ضرورة تزويد السفن بالأدوات اللازمة لإطلاق نغمات معينة منصوص عليها لتوضيح ما إذا كانت السفينة سائرة أم متوقفة، مستقبلة على المخطاف محدودة القدرة على المناورة، مقيدة بغاطسها، تقوم بالصيد، كما تستخدم الإشارة الصوتين في أثناء الرؤية المحدودة وكذا تستخدم في أثناء الرؤية الحسنة، فمثلاً عندما ترى السفن بعضها البعض بالعين المجردة وأرادت إحدى السفن تغيير خط سيرها جهة اليمين تقوم بإطلاق نغمة هي عبارة عن صفارة قصيرة، أمَّا إذا أرادت تغيير مسارها إلى اليسار تقوم بإطلاق نغمتين وهي عبارة عن صفارتين قصيرتين. كما تستخدم الإشارات الصوتية لتلبية متطلبات القواعد المحلية بالميناء، كذلك تستخدم هذه الإشارات إذا ما حاولت إحدى السفن المبحرة في قناة أو ممر ملاحي أن تتخطى السفينة التي أمامها سواء جهة اليمين أو جهة اليسار حيث تقوم بإطلاق إشارات معينة حددتها قواعد منع التصادم، وقد تستخدم النغمات الصوتية لتحذير السفن المجاورة إذا ما اتضح من الموقف أن هناك شك في قيام إحدى السفن بالمناورة المطلوبة منها حسب متطلبات القانون.
إعداد: محمود السعيد – إجازة في الإعلام / مجلة النقل الإلكترونية.
المراجع:
1- الطبيعة القانونية للخطر في التأمين البحري (رسالة ماجستير), شيرين عبد حسن يعقوب, جامعة الشرق الأوسط-كلية الحقوق 2010م.
2-الحوادث البحرية وفقاً للقانون الجزائري والاتفاقيات الدولية (التصادم والمساعدة والإنقاذ البحريين), رسالة دكتوراه, جامعة أبي بكر بلقايد-تلمسان, كلية الحقوق والعلوم السياسية, 2018-2019م.
3-التصادم البحري, د. فراح عز الدين, بحث منشور في مجلة المفكر- العدد الثاني عشر.
4-مؤتمر العمل الدولي, اتفاقية العمل البحري 2006 بصيغتها المعدَّلة.